فصل: تفسير الآيات رقم (143 - 144)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏143 - 144‏]‏

‏{‏ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏

وهذا بيان لجهل العرب قبل الإسلام فيما كانوا حَرّموا من الأنعام، وجعلوها أجزاءً وأنواعًا‏:‏ بحيرة، وسائبة، ووصيلة وحامًا، وغير ذلك من الأنواع التي ابتدعوها في الأنعام والزروع والثمار، فبين أنه تعالى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، وأنه أنشأ من الأنعام حمولة وفرشا‏.‏ ثم بين أصناف الأنعام إلى غنم وهو بياض وهو الضأن، وسواد وهو المعز، ذكره وأنثاه، وإلى إبل ذكورها وإناثها، وبقر كذلك‏.‏ وأنه تعالى لم يحرم شيئًا من ذلك ولا شيئًا من أولاده‏.‏ بل كلها مخلوقة لبني آدم، أكلا وركوبًا، وحمولة، وحلبا، وغير ذلك من وجوه المنافع، كما قال ‏[‏تعالى‏]‏ ‏{‏وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ‏}‏ الآية ‏[‏الزمر‏:‏ 6‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ‏}‏ رَدٌ عليهم في قولهم‏:‏ ‏{‏مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا‏}‏

وقوله‏:‏ ‏{‏نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ أي‏:‏ أخبروني عن يقين‏:‏ كيف حرم الله عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك‏؟‏

وقال العَوْفي عن ابن عباس قوله‏:‏ ‏{‏ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ‏}‏ فهذه أربعة أزواج، ‏{‏وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ‏}‏ يقول‏:‏ لم أحرم شيئًا من ذلك ‏{‏‏[‏أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ‏]‏‏}‏ يعني‏:‏ هل يشمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا‏؟‏‏]‏ ‏{‏نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ يقول‏:‏ كله حلال‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا‏}‏ تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله، من تحريم ما حرموه من ذلك، ‏{‏فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏ أي‏:‏ لا أحد أظلم منه، ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏

وأول من دخل في هذه الآية‏:‏ عمرو بن لُحَيّ بن قَمَعَة، فإنه أول من غير دين الأنبياء، وأول من سيب السوائب، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، كما ثبت ذلك في الصحيح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏145‏]‏

‏{‏قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏

يقول تعالى آمرًا عبده ورسوله محمدًا، صلوات الله وسلامه عليه‏:‏ قل لهؤلاء الذين حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله‏:‏ ‏{‏لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ‏}‏ أي‏:‏ آكل يأكله‏.‏ قيل‏:‏ معناه‏:‏ لا أجد شيئًا مما حرمتم حرامًا سوى هذه‏.‏ وقيل‏:‏ معناه‏:‏ لا أجد من الحيوانات شيئًا حرامًا سوى هذه‏.‏ فعلى هذا يكون ما ورد من التحريمات بعد هذا في سورة ‏"‏المائدة‏"‏، وفي الأحاديث الواردة، رافعًا لمفهوم هذه الآية‏.‏

ومن الناس من يسمي ذلك نسخًا، والأكثرون من المتأخرين لا يسمونه نسخًا؛ لأنه من باب رفع مباح الأصل، والله أعلم‏.‏

قال العَوْفي، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا‏}‏ يعني‏:‏ المهراق‏.‏

قال عِكْرِمة في قوله‏:‏ ‏{‏أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا‏}‏ لولا هذه الآية لتتبع الناس ما في العُرُوق، كما تتبعه اليهود‏.‏

وقال حماد، عن عمران بن حُدَير قال‏:‏ سألت أبا مِجْلَز عن الدم، وما يتلطخ من الذبح من الرأس، وعن القِدْر يُرَى فيها الحمرة، فقال‏:‏ إنما نهى الله عن الدم المسفوح‏.‏

وقال قتادة‏:‏ حرم من الدماء ما كان مسفوحًا، فأما لحم خالطه دم فلا بأس به‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثنا المثنى، حدثنا حجاج بن مِنْهال، حدثنا حماد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة‏:‏ أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأسًا، والحمرة والدم يكونان على القدر بأسًا، وقرأت هذه الآية‏.‏ صحيح غريب‏.‏

وقال الحميدي‏:‏ حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار قال‏:‏ قلت لجابر بن عبد الله‏:‏ إنهم يزعمون

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، فقال‏:‏ قد كان يقول ذلك ‏"‏الحَكَمُ بنُ عَمْرو‏"‏ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبى ذلك الحبر -يعني ابن عباس -وقرأ‏:‏ ‏{‏قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا‏}‏ الآية‏.‏

وهكذا رواه البخاري عن علي بن المديني، عن سفيان، به‏.‏ وأخرجه أبو داود من حديث ابن جُرَيْج، عن عمرو بن دينار‏.‏ ورواه الحاكم في مستدركه مع أنه في صحيح البخاري، كما رأيت‏.‏

وقال أبو بكر بن مَرْدُوَيه والحاكم في مستدركه‏:‏ حدثنا محمد بن على بن دُحَيم، حدثنا أحمد بن حازم، حدثنا أبو نُعَيم الفضل بن دُكَيْن، حدثنا محمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال‏:‏ كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا، فبعث الله نبيه وأنزل كتابه، وأحل حلاله وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ‏[‏إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا‏]‏‏}‏ إلى آخر الآية‏.‏

وهذا لفظ ابن مَرْدُوَيه‏.‏ ورواه أبو داود منفردًا به، عن محمد بن داود بن صبيح، عن أبي نعيم به‏.‏ وقال الحاكم‏:‏ هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عفان، حدثنا أبو عَوَانة، عن سِمَاك بن حرب، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال‏:‏ ماتت شاة لسَوْدَة بنت زَمْعَة، فقالت‏:‏ يا رسول الله، ماتت فلانة -تعني الشاة -قال‏:‏ ‏"‏فلم لا أخذتم مَسْكها‏؟‏‏"‏‏.‏ قالت‏:‏ نأخذ مَسْك شاة قد ماتت‏؟‏‏!‏ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنما قال الله‏:‏ ‏{‏قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ‏}‏ وإنكم لا تطعمونه، أن تدبغوه فتنتفعوا به‏"‏‏.‏ فأرسلت فسلخت مسكها فدبغته، فاتخذت منه قربة، حتى تخرقت عندها‏.‏ ورواه البخاري والنسائي، من حديث الشعبي، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس، عن سودة بنت زمعة، بذلك أو نحوه‏.‏

وقال سعيد بن منصور‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عيسى بن نُميلَة الفزاري، عن أبيه قال‏:‏ كنت عند ابن عمر، فسأله رجل عن أكل القنفذ، فقرأ عليه‏:‏ ‏{‏قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ‏[‏إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ‏]‏‏}‏ الآية، فقال شيخ عنده‏:‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏خبيث من الخبائث‏"‏‏.‏ فقال ابن عمر‏:‏ إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو كما قال‏.‏

ورواه أبو داود، عن أبي ثور، عن سعيد بن منصور، به‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ‏}‏ أي‏:‏ فمن اضطر إلى أكل شيء مما حُرّم في هذه الآية الكريمة، وهو غير متلبس ببغي ولا عدوان، ‏{‏فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ غفور له، رحيم به‏.‏ وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة بما فيه كفاية‏.‏

والمقصود من سياق هذه الآية الكريمة الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه، من تحريم المحرمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة من البَحِيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك، فأمر ‏[‏الله‏]‏ رسوله أن يخبرهم أنه لا يجد فيما أوحاه الله إليه أن ذلك محرم، وإنما حُرِّم ما ذكر في ‏[‏هذه‏]‏ الآية، من الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به‏.‏ وما عدا ذلك فلم يحرم، وإنما هو عفو مسكوت عنه، فكيف تزعمون ‏[‏أنتم‏]‏ أنه حرام، ومن أين حرمتموه ولم يحرمه ‏[‏الله‏]‏ ‏؟‏ وعلى هذا فلا يبقى تحريم أشياء أخر فيما بعد هذا، كما جاء النهي عن لحوم الحمر ولحوم السباع، وكل ذي مخلب من الطير، على المشهور من مذاهب العلماء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏146‏]‏

‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ‏}‏

قال ابن جرير‏:‏ يقول تعالى‏:‏ وحرمنا على اليهود ‏{‏كُلَّ ذِي ظُفُرٍ‏}‏ وهو البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الأصابع، كالإبل والنعام والأوز والبط‏.‏ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ‏}‏ وهو البعير والنعامة‏.‏ وكذا قال مجاهد، والسُّدِّي في رواية‏.‏

وقال سعيد بن جُبَيْر‏:‏ هو الذي ليس بمنفرج الأصابع، وفي رواية عنه‏:‏ كل شيء متفرق الأصابع، ومنه الديك‏.‏

وقال قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ‏}‏ وكان يقال‏:‏ البعير والنعامة وأشياء من الطير والحيتان‏.‏ وفي رواية‏:‏ البعير والنعامة، وحرم عليهم من الطير‏:‏ البط وشبهه، وكل شيء ليس بمشقوق الأصابع‏.‏

وقال ابن جُرَيْج‏:‏ عن مجاهد‏:‏ ‏{‏كُلَّ ذِي ظُفُرٍ‏}‏ قال‏:‏ النعامة والبعير، شقا شقا‏.‏ قلت للقاسم بن أبي بَزَّة وحدثنيه‏:‏ ما ‏"‏شقا شقًا‏"‏‏؟‏ قال‏:‏ كل ما لا يفرج من قول البهائم‏.‏ قال‏:‏ وما انفرج أكلته اليهود قال‏:‏ انفرجت قوائم البهائم والعصافير، قال‏:‏ فيهود تأكلها‏.‏ قال‏:‏ ولم تنفرج قائمة البعير، خفه، ولا خف النعامة ولا قائمة الوز، فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الوز، ولا كل شيء لم تنفرج قائمته، ولا تأكل حمار وَحْش‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا‏}‏ قال السُّدِّي‏:‏ ‏[‏يعني‏]‏ الثَرْب وشحم الكليتين‏.‏ وكانت اليهود تقول‏:‏ إنه حرمه إسرائيل فنحن نحرمه‏.‏ وكذا قال ابن زيد‏.‏

وقال قتادة‏:‏ الثرب وكل شحم كان كذلك ليس في عظم‏.‏

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا‏}‏ يعني‏:‏ ما عَلِق بالظهر من الشحوم‏.‏ وقال السُّدِّي وأبو صالح‏:‏ الألية، مما حملت ظهورهما‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏أَوِ الْحَوَايَا‏}‏ قال الإمام أبو جعفر بن جرير‏:‏ ‏{‏الْحَوَايَا‏}‏ جمع، واحدها حاوياء، وحاوية وحَوِيَّة وهو ما تَحَوي من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللبن، وهي ‏"‏المباعر‏"‏، وتسمى ‏"‏المرابض‏"‏، وفيها الأمعاء‏.‏

قال‏:‏ ومعنى الكلام‏:‏ ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما، إلا ما حملت ظهورهما، أو ما حملت الحوايا‏.‏ وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏أَوِ الْحَوَايَا‏}‏ وهي المبعر‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏الْحَوَايَا‏}‏ المبعر، والمربض‏.‏ وكذا قال سعيد بن جبير، والضحاك، وقتادة، وأبو مالك، والسُّدِّي‏.‏

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏:‏ ‏{‏الْحَوَايَا‏}‏ المرابض التي تكون فيها الأمعاء، تكون وسطها، وهي بنات اللبن، وهي في كلام العرب تدعى المرابض‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ‏}‏ أي‏:‏ وإلا ما اختلط من الشحوم بالعظام فقد أحللناه لهم‏.‏

وقال ابن جُرَيْج‏:‏ شحم الألية اختلط بالعُصْعُص، فهو حلال‏.‏ وكل شيء في القوائم والجنب والرأس والعين وما اختلط بعظم، فهو حلال، ونحوه قال السُّدِّي‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ هذا التضييق إنما فعلناه بهم وألزمناهم به، مجازاة لهم على بغيهم ومخالفتهم أوامرنا، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 160‏]‏‏.‏وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا لَصَادِقُونَ‏}‏ أي‏:‏ وإنا لعادلون فيما جزيناهم به‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ وإنا لصادقون فيما أخبرناك به يا محمد من تحريمنا ذلك عليهم، لا كما زعموا من أن إسرائيل هو الذي حرمه على نفسه، والله أعلم‏.‏

وقال عبد الله بن عباس‏:‏ بلغ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن سَمُرَة باع خمرًا، فقال‏:‏ قاتل الله سمرة‏!‏ ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها‏"‏‏.‏

أخرجاه من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمر، به‏.‏

وقال الليث‏:‏ حدثني يزيد بن أبي حبيب قال‏:‏ قال عطاء بن أبي رباح‏:‏ سمعت جابر بن عبد الله يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح‏:‏ ‏"‏إن الله ورسوله حَرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام‏"‏‏.‏ فقيل‏:‏ يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه يدهن بها الجلود ويُطلى بها السفن، ويَسْتَصبِح بها الناس‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏لا هو حرام‏"‏‏.‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك‏:‏ ‏"‏قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها جَمَلوه، ثم باعوه وأكلوا ثمنه‏"‏‏.‏ رواه الجماعة من طرق، عن يزيد بن أبي حبيب، به‏.‏

وقال الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قاتل الله اليهود ‏!‏ حرمت عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا ثمنه‏"‏‏.‏

ورواه البخاري ومسلم جميعًا، عن عبدان، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، به‏.‏

وقال ابن مَرْدُوَيه‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثنا إسماعيل بن إسحاق، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا وُهَيْب، حدثنا خالد الحَذَّاء، عن بركة أبي الوليد، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا خلف المقام، فرفع بصره إلى السماء فقال‏:‏ ‏"‏لعن الله اليهود -ثلاثًا -إن الله حرم عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا ثمنها، إن الله لم يحرم على قوم أكل شيء إلا حرم عليهم ثمنه‏"‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا علي بن عاصم، أنبأنا خالد الحذاء، عن بركة أبي الوليد، أنبأنا ابن عباس قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا في المسجد مستقبلا الحِجْر، فنظر إلى السماء فضحك، ثم قال‏:‏ ‏"‏لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه‏"‏‏.‏ ورواه أبو داود، من حديث خالد الحذاء‏.‏

وقال الأعمش، عن جامع بن شَدَّاد، عن كلثوم، عن أسامة بن زيد قال‏:‏ دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض نعوده، فوجدناه نائما قد غطى وجهه ببرد عَدني، فكشف عن وجهه وقال ‏:‏ لعن الله اليهود يحرمون شحوم الغنم ويأكلون أثمانها‏"‏، وفي رواية‏:‏ ‏"‏حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها‏"‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏147‏]‏

‏{‏فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ فإن كذّبك -يا محمد -مخالفوك من المشركين واليهود ومن شابههم، فقل‏:‏ ‏{‏رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ‏}‏ وهذا ترغيب لهم في ابتغاء رحمة الله الواسعة، واتباع رسوله، ‏{‏وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ ترهيب لهم من مخالفتهم الرسول خاتم النبيين‏.‏ وكثيرًا ما يقرن الله تعالى بين الترغيب والترهيب في القرآن، كما قال تعالى في آخر هذه السورة‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الآية‏:‏ 165‏]‏، وقال ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 6‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏.‏ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 49، 50‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 3‏]‏، وقال ‏[‏تعالى‏]‏‏:‏ ‏{‏إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ‏}‏ ‏[‏البروج‏:‏ 12 -14‏]‏، والآيات في هذا كثيرة جدًا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏148 - 150‏]‏

‏{‏سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ‏}‏

هذه مناظرة ذكرها الله تعالى وشبهة تشبثت بها المشركون في شركهم وتحريم ما حرموا؛ فإن الله مطلع على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه، وهو قادر على تغييره بأن يلهمنا الإيمان، أو يحول بيننا وبين الكفر، فلم يغيره، فدل على أنه بمشيئته وإرادته ورضاه منا ذلك؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ‏}‏ كما في قوله ‏[‏تعالى‏]‏ ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ‏[‏مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ‏]‏‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 20‏]‏، وكذلك التي في ‏"‏النحل‏"‏ مثل هذه سواء قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ بهذه الشبهة ضل من ضل قبل هؤلاء‏.‏ وهي حجة داحضة باطلة؛ لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه، ودمر عليهم، وأدال عليهم رسله الكرام، وأذاق المشركين من أليم الانتقام‏.‏

‏{‏قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ‏}‏ أي‏:‏ بأن الله‏[‏تعالى‏]‏ راض عنكم فيما أنتم فيه ‏{‏فَتُخْرِجُوهُ لَنَا‏}‏ أي‏:‏ فتظهروه لنا وتبينوه وتبرزوه، ‏{‏إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ‏}‏ أي‏:‏ الوهم والخيال‏.‏ والمراد بالظن هاهنا‏:‏ الاعتقاد الفاسد‏.‏ ‏{‏وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ‏}‏ أي‏:‏ تكذبون على الله فيما ادعيتموه‏.‏

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ‏[‏رضي الله عنهما‏]‏ ‏:‏ ‏{‏لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا‏}‏ وقال ‏{‏كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏ ثُمَّ قَالَ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 107‏]‏، فإنهم قالوا‏:‏ عبادتنا الآلهة تقربنا إلى الله زُلْفَى فأخبرهم الله أنها لا تقربهم، وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا‏}‏، يقول تعالى‏:‏ لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ‏}‏ يقول ‏[‏تعالى‏]‏ لنبيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قُلْ‏}‏ لهم -يا محمد‏:‏ ‏{‏فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ‏}‏ أي‏:‏ له الحكمة التامة، والحجة البالغة في هداية من هَدى، وإضلال من أضل، ‏{‏فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ‏}‏ وكل ذلك بقدرته ومشيئته واختياره، وهو مع ذلك يرضى عن المؤمنين ويُبْغض الكافرين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 35‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ ‏[‏كُلُّهُمْ جَمِيعًا‏]‏‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 99‏]‏، وقوله ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 118، 119‏]‏‏.‏

قال الضحاك‏:‏ لا حجة لأحد عصى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ‏}‏ أي‏:‏ أحضروا شهداءكم ‏{‏الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا‏}‏ أي‏:‏ هذا الذي حرمتموه وكذبتم وافتريتم على الله فيه، ‏{‏فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ لأنهم إنما يشهدون والحالة هذه كذبًا وزورًا، ‏{‏وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ‏}‏ أي‏:‏ يشركون به، ويجعلون له عديلا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏151‏]‏

‏{‏قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏

قال داود الأوْدِي، عن الشعبي، عن علَقْمَة، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال‏:‏ من أراد أن يقرأ صحيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات‏:‏ ‏{‏قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ وقال الحاكم في مستدركه‏:‏ حدثنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو، حدثنا عبد الصمد بن الفضل، حدثنا مالك بن إسماعيل النَّهدي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة قال‏:‏ سمعت ابن عباس يقول‏:‏ في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ‏[‏أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا‏]‏‏}‏‏.‏ ثم قال‏:‏ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه‏.‏

قلت‏:‏ ورواه زُهَيْر وقيس بن الربيع كلاهما عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن قيس، عن ابن عباس، به‏.‏ والله أعلم‏.‏

وروى الحاكم أيضًا في مستدركه من حديث يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أيكم يبايعني على ثلاث‏؟‏‏"‏ -ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ‏}‏ حتى فرغ من الآيات -فمن وفى فأجره على الله، ومن انتقص منهن شيئًا فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته ومن أخر إلى الآخرة فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه‏.‏ وإنما اتفقا على حديث الزهري، عن أبي إدريس، عن عبادة‏:‏ ‏"‏بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا‏"‏ الحديث‏.‏ وقد روى سفيان بن حُسَين كلا الحديثين، فلا ينبغي أن ينسب إلى الوهم في أحد الحديثين إذا جمع بينهما، والله أعلم‏.‏

وأما تفسيرها فيقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ قل يا محمد -لهؤلاء المشركين الذين ‏[‏أشركوا و‏]‏ عبدوا غير الله، وحرموا ما رزقهم الله، وقتلوا أولادهم وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين لهم، ‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏تَعَالَوْا‏}‏ أي‏:‏ هلموا وأقبلوا‏:‏ ‏{‏أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ‏}‏ أي‏:‏ أقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقًا لا تخرصًا، ولا ظنًا، بل وحيًا منه وأمرًا من عنده‏:‏

‏{‏أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا‏}‏ وكأن في الكلام محذوفًا دل عليه السياق، وتقديره‏:‏ وأوصاكم ‏{‏أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا‏}‏؛ ولهذا قال في آخر الآية‏:‏ ‏{‏ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ وكما قال الشاعر‏:‏

حَجَّ وأوصَى بسُلَيمى الأعْبُدَا *** أنْ لا تَرَى ولا تُكَلِّم أحَدا

ولا يَزَلْ شَرَابُها مُبَرَّدا‏.‏ وتقول العرب‏:‏ أمرتك ألا تقوم‏.‏

وفي الصحيحين من حديث أبي ذر، رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا من أمتك، دخل الجنة‏.‏ قلت‏:‏ وإن زنا وإن سرق‏؟‏ قال‏:‏ وإن زنا وإن سرق‏.‏ قلت‏:‏ وإن زنا وإن سرق‏؟‏ قال‏:‏ وإن زنا وإن سرق‏.‏ قلت‏:‏ وإن زنا وإن سرق‏؟‏ قال‏:‏ وإن زنا وإن سرق، وإن شرب الخمر‏"‏‏:‏ وفي بعض الروايات أن القائل ذلك إنما هو أبو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه، عليه السلام، قال في الثالثة‏:‏ ‏"‏وإن رغم أنفُ أبي ذر‏"‏ فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث‏:‏ وإن رغم أنف أبي ذر‏.‏

وفي بعض المسانيد والسنن عن أبي ذر ‏[‏رضي الله عنه‏]‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يقول الله تعالى‏:‏ يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي، ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بي شيئا، وإن أخطأت حتى تبلغ خطاياك عَنَان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك‏"‏‏.‏

ولهذا شاهد في القرآن، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 48، 116‏]‏‏.‏

وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود‏:‏ ‏"‏من مات لا يشرك بالله شيئًا، دخل الجنة‏"‏ والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدًا‏.‏

وروى ابن مَرْدُوَيه من حديث عبادة وأبي الدرداء‏:‏ ‏"‏لا تشركوا بالله شيئًا، وإن قُطِّعتم أو صُلِّبتم أو حُرِّقتم‏"‏‏.‏

قال الهيثمي‏:‏ ‏"‏فيه شهر بن حوشب وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات‏"‏‏.‏ وأما حديث عبادة فهو الآتي‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا محمد بن عَوْف الحِمْصي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا نافع بن يزيد حدثني سيار بن عبد الرحمن، عن يزيد بن قَوْذر، عن سلمة بن شُرَيح، عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال‏:‏ ‏"‏ألا تشركوا بالله شيئًا، وإن حرقتم وقطعتم وصلبتم‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏}‏ أي‏:‏ وأوصاكم وأمركم بالوالدين إحسانا، أي‏:‏ أن تحسنوا إليهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏23‏]‏‏.‏ وقرأ بعضهم‏:‏ ‏"‏ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا‏"‏‏.‏

والله تعالى كثيرًا ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين، كما قال‏:‏ ‏{‏أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏14، 15‏]‏‏.‏ فأمر بالإحسان إليهما، وإن كانا مشركين بحسبهما، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏}‏ الآية‏.‏ ‏[‏البقرة‏:‏83‏]‏‏.‏ والآيات في هذا كثيرة‏.‏ وفي الصحيحين عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال‏:‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي العمل أحب إلى الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الصلاة على وقتها‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ ثم أيّ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏بر الوالدين‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ ثم أيّ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الجهاد في سبيل الله‏"‏‏.‏ قال ابن مسعود‏:‏ حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني‏.‏

وروى الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه بسنده عن أبي الدرداء، وعن عبادة بن الصامت، كل منهما يقول‏:‏ أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أطع والديك، وإن أمراك أن تخرج لهما من الدنيا، فافعل‏"‏‏.‏ ولكن في إسناديهما ضعف، والله أعلم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ‏}‏ لما أوصى تعالى ببر الآباء والأجداد، عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ‏}‏ وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سَوَّلت لهم الشياطين ذلك، فكانوا يئدون البنات خَشْيَة العار، وربما قتلوا بعض الذكور خيفةَ الافتقار؛ ولهذا جاء في الصحيحين، من حديث عبد الله ابن مسعود، رضي الله عنه، قلت‏:‏ يا رسول الله، أي الذنب أعظم‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أن تجعل لله ندّا وهو خلَقَكَ‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ ثم أيّ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أن تقتل ولدك خشية أن يَطْعَم معك‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ ثم أيّ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أن تُزَاني حليلة جارك‏"‏‏.‏ ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ ‏[‏وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا‏]‏‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏68‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏مِنْ إِمْلاقٍ‏}‏ قال ابن عباس، وقتادة، والسُّدِّي‏:‏ هو الفقر، أي‏:‏ ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل، وقال في سورة ‏"‏سبحان‏"‏‏:‏ ‏{‏وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏31‏]‏، أي‏:‏ خشية حصول فقر، في الآجل؛ ولهذا قال هناك‏:‏ ‏{‏نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ‏}‏ فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي‏:‏ لا تخافوا من فقركم بسببهم، فرزقهم على الله‏.‏ وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلا قال‏:‏ ‏{‏نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ‏}‏؛ لأنه الأهم هاهنا، والله أعلم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ‏}‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏33‏]‏‏.‏ وقد تقدم تفسيرها في قوله‏:‏ ‏{‏وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏12‏]‏‏.‏

وفي الصحيحين، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا أحد أغْيَر من الله، من أجل ذلك حَرَّم الفواحش ما ظَهَر منها وما بَطنَ‏"‏‏.‏

وقال عبد الملك بن عُمَيْر، عن وَرّاد، عن مولاه المغيرة قال‏:‏ قال سعد بن عبادة‏:‏ لو رأيت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مُصْفَح‏.‏ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏أتعجبون من غيرة سعد‏!‏ فوالله لأنا أغير من سعد، والله أغير مني، من أجل ذلك حَرّم الفواحش ما ظهر منها وما بَطَن‏"‏‏.‏ أخرجاه‏.‏

وقال كامل أبو العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال‏:‏ قيل‏:‏ يا رسول الله، إنا ‏.‏ نغار‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏والله إني لأغار، والله أغير مني، ومن غيرته نهى عن الفواحش‏"‏‏.‏

رواه ابن مَرْدُوَيه، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وهو على شرط الترمذي، فقد روي بهذا السند‏:‏ ‏"‏أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ‏}‏ وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تأكيدًا، وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فقد جاء في الصحيحين، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث‏:‏ الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة‏"‏‏.‏

وفي لفظ لمسلم والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏ وذكره، قال الأعمش‏:‏ فحدثت به إبراهيم، فحدثني عن الأسود، عن عائشة ‏[‏رضي الله عنها‏]‏ ، بمثله‏.‏

وروى أبو داود، والنسائي، عن عائشة، رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال‏:‏ زانٍ مُحْصَن يُرْجَم، ورجل قتل رَجُلا مُتَعمِّدا فيقتل، ورجل يخرج من الإسلام حارب الله ورسوله، فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض‏"‏‏.‏ وهذا لفظ النسائي‏.‏

وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أنه قال وهو محصور‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏لا يَحِلُّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث‏:‏ رجل كَفَر بعد إسلامه، أو زنا بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس‏"‏‏.‏ فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منه بعد إذ هداني الله، ولا قتلت نفسا، فبم تقتلونني‏.‏ رواه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهدَ -وهو المستأمن من أهل الحرب -كما رواه البخاري، عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من قتل مُعاهِدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما‏"‏‏.‏

وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من قتل معاهَدًا له ذِمَّة الله وذمَّة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خَريفًا‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه، والترمذي وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ أي‏:‏ هذا ما وصاكم به لعلكم تعقلون عنه أمره ونهيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏152‏]‏

‏{‏وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏

قال عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال‏:‏ لما أنزل الله‏:‏ ‏{‏وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ و‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا‏}‏ الآية ‏[‏النساء‏:‏10‏]‏، فانطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله ويفسد‏.‏ فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ‏[‏عَزَّ وجل‏]‏‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏220‏]‏، قال‏:‏ فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم‏.‏ رواه أبو داود‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ‏}‏ قال الشعبي، ومالك، وغير واحد من السلف‏:‏ يعني‏:‏ حتى يحتلم‏.‏

وقال السُّدِّي‏:‏ حتى يبلغ ثلاثين سنة، وقيل‏:‏ أربعون سنة، وقيل‏:‏ ستون سنة‏.‏ قال‏:‏ وهذا كله بعيد هاهنا، والله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ‏}‏ يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء، كما توعد على تركه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏المطففين‏:‏1 -6‏]‏‏.‏ وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان‏.‏

وفي كتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي، من حديث الحسين بن قيس أبي علي الرّحَبي، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان‏:‏ ‏"‏إنكم وُلّيتم أمرًا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم‏"‏‏.‏ ثم قال‏:‏ لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحُسين، وهو ضعيف في الحديث، وقد روي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا‏.‏

قلت‏:‏ وقد رواه ابن مَرْدُوَيه في تفسيره، من حديث شَرِيك، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنكم مَعْشَر الموالي قد بَشَّرَكم الله بخصلتين بها هلكت القرون المتقدمة‏:‏ المكيال والميزان‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا نُكَلِّفُ‏}‏ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا‏}‏ أي‏:‏ من اجتهد في أداء الحق وأخذه، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه‏.‏

وقد روى ابن مَرْدُوَيه من حديث بَقِيَّة، عن مُبَشر بن عبيد، عن عمرو بن ميمون بن مهْران، عن أبيه، عن سعيد بن المسَيَّب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا‏}‏ فقال‏:‏ ‏"‏من أوفى على يده في الكيل والميزان، والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما، لم يؤاخذ‏"‏‏.‏ وذلك تأويل ‏{‏وُسْعَهَا‏}‏ هذا مرسل غريب‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى‏}‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ‏[‏وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ‏]‏‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏8‏]‏، وكذا التي تشبهها في سورة النساء ‏[‏الآية‏:‏135‏]‏، يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال، على القريب والبعيد، والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد، في كل وقت، وفي كل حال‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا‏}‏ قال ابن جرير‏:‏ يقول وَبِوَصِيَّة الله التي أوصاكم بها فأوفوا‏.‏ وإيفاء ذلك‏:‏ أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله، وذلك هو الوفاء بعهد الله‏.‏

‏{‏ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏ يقول تعالى‏:‏ هذا وصاكم به، وأمركم به، وأكد عليكم فيه ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏ أي‏:‏ تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه قبل هذا، وقرأ بعضهم بتشديد ‏"‏الذال‏"‏، وآخرون بتخفيفها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏153‏]‏

‏{‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله‏:‏ ‏{‏فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ‏}‏ وقوله ‏{‏أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏13‏]‏، ونحو هذا في القرآن، قال‏:‏ أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة ، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا‏.‏ قاله مجاهد، وغير واحد‏.‏

وقال الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ حدثنا الأسود بن عامر‏:‏ شاذان، حدثنا أبو بكر -هو ابن عياش -عن عاصم -هو ابن أبي النجود -عن أبي وائل، عن عبد الله -هو ابن مسعود، رضي الله عنه -قال‏:‏ خَطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا بيده، ثم قال‏:‏ ‏"‏هذا سَبِيل الله مستقيما‏"‏‏.‏ وخط على يمينه وشماله، ثم قال‏:‏ ‏"‏هذه السُّبُل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه‏"‏‏.‏ ثم قرأ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ‏}‏ وكذا رواه الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي بكر بن عياش، به‏.‏ وقال‏:‏ صحيح ‏[‏الإسناد‏]‏ ولم يخرجاه‏.‏

وهكذا رواه أبو جعفر الرازي، وورقاء وعمرو بن أبي قيس، عن عاصم، عن أبي وائل شقيق ابن سلمة، عن ابن مسعود به مرفوعا نحوه‏.‏

وكذا رواه يزيد بن هارون ومُسدَّد والنسائي، عن يحيى بن حبيب بن عربي -وابن حِبَّان، من حديث ابن وَهْب -أربعتهم عن حماد بن زيد، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، به‏.‏

وكذا رواه ابن جرير، عن المثنى، عن الحِمَّاني، عن حماد بن زيد، به‏.‏

ورواه الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق، عن إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، به كذلك‏.‏ وقال‏:‏ صحيح ولم يخرجاه‏.‏

وقد روى هذا الحديث النسائي والحاكم، من حديث أحمد بن عبد الله بن يونس، عن أبي بكر ابن عياش، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد الله بن مسعود‏.‏ به مرفوعا‏.‏

وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه من حديث يحيى الحماني، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زِرٍّ، به‏.‏

فقد صححه الحاكم كما رأيت من الطريقين، ولعل هذا الحديث عند عاصم بن أبي النجود، عن زر، وعن أبي وائل شقيق بن سلمة كلاهما عن ابن مسعود، به، والله أعلم‏.‏

قال الحاكم‏:‏ وشاهد هذا الحديث حديث الشعبي عن جابر، من وجه غير معتمد‏.‏

يشير إلى الحديث الذي قال الإمام أحمد، وعبد بن حميد جميعا -واللفظ لأحمد‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد -وهو أبو بكر بن أبي شيبة -أنبأنا أبو خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال‏:‏ كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فخط خطًا هكذا أمامه، فقال‏:‏ ‏"‏هذا سبيل الله‏"‏‏.‏ وخطين عن يمينه، وخطين عن شماله، وقال‏:‏ ‏"‏هذه سبيل الشيطان‏"‏‏.‏ ثم وضع يده في الخط الأوسط، ثم تلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ ورواه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه، والبزار عن أبي سعيد بن عبد الله بن سعيد، عن أبي خالد الأحمر، به‏.‏

قلت‏:‏ ورواه الحافظ ابن مَرْدُوَيه من طريقين، عن أبي سعيد الكندي، حدثنا أبو خالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال‏:‏ خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا، وخط عن يمينه خطًّا، وخط عن يساره خطا، ووضع يده على الخط الأوسط وتلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ‏}‏‏.‏

ولكن العمدة على حديث ابن مسعود، مع ما فيه من الاختلاف إن كان مؤثرًا، وقد روي موقوفا عليه‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن مَعْمَر، عن أبَان؛ أن رجلا قال لابن مسعود‏:‏ ما الصراط المستقيم‏؟‏ قال‏:‏ تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جَوَادّ، وعن يساره جَوَادّ، وثمّ رجال يدعون من مر بهم‏.‏ فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة‏.‏ ثم قرأ ابن مسعود‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ‏}‏ الآية‏.‏

وقال ابن مَرْدُوَيه‏:‏ حدثنا أبو عمرو، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، حدثنا آدم، حدثنا إسماعيل ابن عَيَّاش، حدثنا أبان بن عياش، عن مسلم بن أبي عمران، عن عبد الله بن عمر‏:‏ سأل عبد الله عن الصراط المستقيم، فقال ‏[‏له‏]‏ ابن مسعود‏:‏ تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفه في الجنة، وذكر تمام الحديث كما تقدم، والله أعلم‏.‏

وقد روي من حديث النوّاس بن سمْعان نحوه، قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا الحسن بن سَوَّار أبو العلاء، حدثنا لَيْث -يعني ابن سعد -عن معاوية بن صالح؛ أن عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نفير حدثه، عن أبيه، عن النواس بن سمعان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ضرب الله مثلا صِراطًا مستقيمًا، وعن جَنْبتَي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول‏:‏ أيها الناس، ادخلوا الصراط المستقيم جميعا، ولا تتفرجوا وداع يدعو من جوف الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال‏:‏ ويحك‏.‏ لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم‏"‏‏.‏

ورواه الترمذي والنسائي، عن علي بن حُجْر -زاد النسائي -وعمرو بن عثمان، كلاهما عن بَقِيَّة بن الوليد، عن بَحير بن سعد، عن خالد بن مَعْدان، عن جُبَير بن نفير، عن النوّاس بن سِمْعان، به‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حسن غريب‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ‏[‏فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ‏]‏‏}‏ إنما وحد ‏[‏سبحانه‏]‏ سَبيله لأن الحق واحد؛ ولهذا جمع لتفرقها وتشعبها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏257‏]‏‏.‏ قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أحمد بن سِنَان الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أيكم يبايعني على هذه الآيات الثلاث‏؟‏‏"‏‏.‏ ثم تلا ‏{‏قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ‏}‏ حتى فرغ من ثلاث الآيات، ثم قال‏:‏ ‏"‏ومن وَفَّى بهن أجره على الله، ومن انتقص منهن شيئا أدركه الله في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخَّرَه إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء أخذه، وإن شاء عفا عنه‏"‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏154 - 155‏]‏

‏{‏ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏

قال ابن جرير‏:‏ ‏{‏ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ‏}‏ تقديره‏:‏ ثم قل -يا محمد -مخبرًا عنا بأنا آتينا موسى الكتاب، بدلالة قوله‏:‏ ‏{‏قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ‏}‏ قلت‏:‏ وفي هذا نظر، وثُم هاهنا إنما هي لعطف الخبر بعد الخبر، لا للترتيب هاهنا، كما قال الشاعر‏:‏

قُلْ لِمَنْ سَادَ ثُم سَادَ أبوهُ *** ثُمّ قد سَادَ قَبْلَ ذَلكَ جَده

وهاهنا لما أخبر الله تعالى عن القرآن بقوله‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ‏}‏ عطف بمدح التوراة ورسولها، فقال‏:‏ ‏{‏ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ‏}‏ وكثيرًا ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏12‏]‏، وقوله ‏[‏في‏]‏ أول هذه السورة‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ أَنزلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا‏}‏ ‏[‏الآية‏:‏91‏]‏، وبعدها ‏{‏وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ‏}‏ الآية ‏[‏الأنعام‏:‏92‏]‏، وقال تعالى مخبرًا عن المشركين‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى‏}‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏48‏]‏، وقال تعالى مخبرًا عن الجن أنهم قالوا‏:‏ ‏{‏قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ‏[‏وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ‏]‏‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏30‏]‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا‏}‏ أي‏:‏ آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تمامًا كاملا جامعا لجميع ما يحتاج إليه في شريعته، كما قال‏:‏ ‏{‏وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ‏}‏ الآية ‏[‏الأعراف‏:‏145‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ‏}‏ أي‏:‏ جزاء على إحسانه في العمل، وقيامه بأوامرنا وطاعتنا، كقوله‏:‏ ‏{‏هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏60‏]‏، وكقوله ‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ‏[‏قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏]‏‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏124‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏24‏]‏‏.‏

وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس‏:‏ ‏{‏ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ‏}‏ يقول‏:‏ أحسن فيما أعطاه الله‏.‏ وقال قتادة‏:‏ من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة‏.‏

واختار ابن جرير أن تقديره الكلام‏:‏ ‏{‏‏[‏ثُمَّ‏]‏ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا‏}‏ على إحسانه‏.‏ فكأنه جعل ‏"‏الذي‏"‏ مصدرية، كما قيل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏69‏]‏ أي‏:‏ كخوضهم وقال ابن رَوَاحة‏:‏

فَثَبَّتَ اللهُ ما آتاكَ مِنْ حَسَنٍ *** في المرسلين ونصرًا كالذي نُصِرُوا

وقال آخرون‏:‏ الذي هاهنا بمعنى ‏"‏الذين‏"‏‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود‏:‏ أنه كان يقرؤها‏:‏ ‏"‏تماما على الذين أحسنوا‏"‏‏.‏

وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد‏:‏ ‏{‏تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ‏}‏ قال‏:‏ على المؤمنين والمحسنين، وكذا قال أبو عبيدة‏.‏ قال البغوي‏:‏ والمحسنون‏:‏ الأنبياء والمؤمنون، يعني‏:‏ أظهرنا فضله عليهم‏.‏

قلت‏:‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏144‏]‏، ولا يلزم اصطفاؤه على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والخليل، عليهما السلام لأدلة أخر‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وروى أبو عمرو بن العلاء عن يحيى بن يَعْمَر أنه كان يقرؤها‏.‏ ‏{‏تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ‏}‏ رفعا، بتأويل‏:‏ ‏"‏على الذي هو أحسن‏"‏، ثم قال‏:‏ وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح‏.‏

وقيل‏:‏ معناه‏:‏ تمامًا على إحسان الله إليه زيادة على ما أحسن الله إليه، حكاه ابن جرير، والبَغوي‏.‏

ولا منافاة بينه وبين القول الأول، وبه جمع ابن جرير كما بيناه، ولله الحمد‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً‏}‏ فيه مَدْحٌ لكتابه الذي أنزله الله عليه، ‏{‏لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ فيه الدعوة إلى اتباع القرآن ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والآخرة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏156 - 157‏]‏

‏{‏أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ‏}‏

قال ابن جرير‏:‏ معناه‏:‏ وهذا كتاب أنزلناه لئلا يقولوا‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أُنزلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏ يعني‏:‏ لينقطع عذرهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ‏[‏وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏]‏‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏47‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس‏:‏ هم اليهود والنصارى وكذا قال مجاهد، والسدي، وقتادة، وغير واحد‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ‏}‏ أي‏:‏ وما كنا نفهم ما يقولون؛ لأنهم ليسوا بلساننا، ونحن مع ذلك في شغل وغفلة عما هم فيه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ وقطعنا تَعَلُّلكم أن تقولوا‏:‏ لو أنا أنزل علينا ما أنزل عليهم لكنا أهدى منهم فيما أوتوه، كقوله‏:‏ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ ‏[‏فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا‏]‏ ‏[‏فاطر‏:‏42‏]‏، وهكذا قال هاهنا‏:‏ ‏{‏فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ‏}‏ يقول‏:‏ فقد جاءكم من الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم النبي العربي قرآن عظيم، فيه بيان للحلال والحرام، وهدى لما في القلوب، ورحمة من الله بعباده الذين يتبعونه ويقتفون ما فيه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا‏}‏ أي‏:‏ لم ينتفع بما جاء به الرسول، ولا اتبع ما أرسل به، ولا ترك غيره، بل صدف عن اتباع آيات الله، أي‏:‏ صرف الناس وصدهم عن ذلك قاله السدي‏.‏ وعن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة‏:‏ ‏{‏وَصَدَفَ عَنْهَا‏}‏ أعرض عنها‏.‏

وقول السدي هاهنا فيه قوة؛ لأنه قال‏:‏ ‏{‏فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا‏}‏ كما تقدم في أول السورة‏:‏ ‏{‏وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ‏}‏ ‏[‏الآية‏:‏26‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏88‏]‏، وقال في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ‏}‏ وقد يكون المراد فيما قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة‏:‏ ‏{‏فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا‏}‏ أي‏:‏ لا آمن بها ولا عمل بها، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏32، 31‏]‏، ونحو ذلك من الآيات الدالة على اشتمال الكافر على التكذيب بقلبه، وترك العمل بجوارحه، ولكن المعنى الأول أقوى وأظهر، والله ‏[‏تعالى‏]‏ أعلم‏.‏